انتهاكات خطيرة.. عمليات إجلاء تكشف عن كارثة إنسانية في السويداء

انتهاكات خطيرة.. عمليات إجلاء تكشف عن كارثة إنسانية في السويداء
عمليات إجلاء في السويداء بسوريا

في جنوب سوريا، تتقاطع الجغرافيا بالطائفية، ويتحول المدنيون إلى ضحايا لصراع قديم متجدد بين مكونات المجتمع السوري، فبينما تتصدر الشعارات الوطنية المشهد السياسي، تعيش آلاف العائلات البدوية في محافظة السويداء واقعًا مختلفًا، إذ وجدت نفسها محاصَرة في مناطق ذات غالبية درزية، على وقع تصعيد دموي غير مسبوق بين الفصائل المسلحة العشائرية والمجموعات المحلية. 

وبعد أيام من القتال العنيف، الذي أودى بحياة المئات، بدأت السلطات السورية –بدعم من الهلال الأحمر السوري ومبادرات دولية– بتنفيذ عمليات إجلاء للمدنيين، وسط شهادات مروعة عن انتهاكات خطيرة، تضمنت القتل الجماعي والتعذيب والاحتجاز القسري.

ويأتي هذا الإجلاء الجماعي ضمن هدنة هشّة مدعومة من الولايات المتحدة، تهدف إلى وقف دورة العنف المتصاعدة، في مشهد يعكس هشاشة الواقع الأمني والإنساني في الجنوب السوري، وسط غياب كامل لأي محاسبة حقيقية للمسؤولين عن الانتهاكات المتفاقمة.

تفاصيل الإجلاء وأوضاع المدنيين

أعلنت محافظة درعا، الاثنين، عن استقبال نحو 200 عائلة بدوية كانت محتجزة في محافظة السويداء، بعد نقلها عبر 13 حافلة إلى مراكز إيواء مجهّزة بالخدمات الأساسية، ضمن أول دفعة من عمليات الإجلاء التي تطول آلاف المدنيين المحاصرين. 

ويأتي ذلك بعد إعلان المحافظ أنور طه الزعبي، أن المحافظة سبق أن استقبلت أكثر من 3250 عائلة تم توزيعها على مراكز تحوي عيادات متنقلة ومواد غذائية وطبية، مع تسجيل استضافة 800 عائلة من قبل سكان محليين في درعا.

وأكدت فرق الهلال الأحمر السوري والدفاع المدني، إلى جانب فرق تطوعية نسائية، مشاركتها في إحصاء العائلات وتقديم الإسعافات الأولية، في وقت بدأت فيه عمليات الفرز لتحديد الوجهات النهائية للعائلات، التي قرر بعضها الانتقال إلى دمشق أو مناطق أقاربهم بعد تلقي الدعم اللازم.

انتهاكات خلال الاحتجاز

كشفت شهادات مصورة ومقاطع فيديو صادرة عن الخارجين من السويداء عن تعرض النساء والأطفال والشيوخ لأعمال عنف ممنهجة، شملت الضرب والإذلال والتجويع، داخل مقار احتجاز تابعة لفصائل محلية. 

وأكد العديد من المدنيين أنه جرى اقتيادهم من بيوتهم قسرًا، واحتُجزوا في مبانٍ حكومية لعدة أيام، في ظروف إنسانية مأساوية. كما أكد شهود عيان ومصادر عشائرية وقوع جرائم قتل جماعي شملت أطفالًا ومسنين، إلى جانب إصابات متعددة في صفوف المدنيين.

وتُعد هذه الوقائع جزءًا من موجة عنف طائفية اندلعت في حي المقوس والقرى الغربية للسويداء، التي تسكنها عشائر بدوية، حيث سيطرت فصائل تابعة للشيخ حكمت الهجري على عدد من هذه المناطق بالقوة، ما أجبر الأهالي على النزوح القسري أو الاحتجاز.

اتهامات وتحذيرات دولية

اتهم القائد الدرزي في "حركة رجال الكرامة"، ليث البلعوس، الطرف الآخر –في إشارة إلى الشيخ الهجري– بتحمّل المسؤولية عن التصعيد، واصفًا ما حدث بأنه "انفراد بقرار الطائفة الدرزية لتنفيذ أجندات خارجية". 

وطالب البلعوس بمحاسبة كل من امتدت يده إلى المدنيين، مشددًا على ضرورة فرض القانون وإنهاء حالة التفلت. كما أعرب عن قلقه من صمت المجتمع الدولي، واصفًا إياه بأنه "يشجّع على الانقسام ويدفع بالسويداء نحو الفوضى".

من جهتها، أشارت الأمم المتحدة، عبر المنظمة الدولية للهجرة، إلى أن أكثر من 128 ألف شخص نزحوا خلال أسبوع واحد فقط من القتال، بينهم أكثر من 43 ألف في يوم واحد، وهو ما وصفته بـ"كارثة إنسانية حقيقية".

جهود الإجلاء والواقع الأمني

أشرف أحمد الدالاتي، قائد الأمن الداخلي في السويداء، على عملية الإجلاء التي جرت فجر الإثنين، مشيرًا إلى أن إخراج المدنيين جاء بعد جهود بذلتها وزارة الداخلية وتوصّل لاتفاق يسمح بنقل الراغبين في مغادرة السويداء. 

وشدد على أن الدولة وحدها تتحمل مسؤولية حماية المدنيين واحتواء التداعيات، كاشفًا عن فرض طوق أمني على المحافظة لمنع دخول أي تعزيزات خارجية قد تفاقم الأزمة.

وانتشرت وحدات الأمن الداخلي على الطرق الرئيسية ونقاط التفتيش بين درعا والسويداء، لتأمين حركة القوافل الإنسانية والعائلات الخارجة من مناطق النزاع. وفي مدينة بصرى الشام، تم إنشاء مراكز إيواء جديدة لتوفير الحماية والرعاية للنازحين.

ضحايا ومعاناة لا تتوقف

وفقًا لتقرير صادر عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فقد قُتل ما لا يقل عن 558 شخصًا خلال الفترة من 13 إلى 21 يوليو، بينهم 17 امرأة و11 طفلًا و6 من الطواقم الطبية. 

كما سُجلت 1698 إصابة استقبلتها وزارة الصحة السورية، منها 425 حالة وصفت بأنها حرجة.

وبينما تستمر عمليات الإجلاء تحت إشراف حكومي، يبقى مصير آلاف العائلات البدوية في السويداء معلّقًا بين نزوح قسري وانتهاكات موثقة، في وقت يعجز فيه المجتمع الدولي عن فرض حلول حقيقية أو محاسبة المسؤولين عن تصاعد العنف الطائفي، ما يهدد بانفجار أوسع قد يمتد إلى مناطق أخرى في الجنوب السوري.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية